7yatna
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

7yatna

يشمل كل مايخص الحياة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ابقى قابلني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Maioii
Admin
Maioii


عدد الرسائل : 62
تاريخ التسجيل : 22/06/2008

ابقى قابلني Empty
مُساهمةموضوع: ابقى قابلني   ابقى قابلني Emptyالأحد يوليو 06, 2008 11:04 am


ابقى قابلني Shaba_01

فيما بين الواحدة والثالثة ظهراً يتحول الطريق إلى ما يشبه الخلاط / المعجنة / المطحنة بسبب تكدُّس الموظفين والطلبة ورغبتهم في العودة لمنازلهم في وقت واحد.. كنت متأخِّرا عن موعد العمل، ولذلك فقد تملَّكني الفرح حينما توقفت سيارة تاكسي لي.. صحيح أنها كانت متهالكة وتئنُّ مع كل مطب لكنها كانت تسير، وهذا هو المهم.. لو كانت في أوربا أو أمريكا لاعتبروها تحفة وطوقوها بالورود، لكنها هنا تُعامَل كعبد آبق، كخادم متلاعب ينبغي جَلده بالسياط.

السائق كان رجلاً يصعب التنبؤ بعمره، يرتدي جلبابًا أبيض اللون، رقيق الخامة جدّاً مما لا يمكن ارتداؤه -تحت أي حال- إلا في غرفة النوم.. ولكنه وجد الشجاعة للخروج به إلى الطريق العام وقيادة سيارة تاكسي متهالكة والتعامل مع شر أنواع الزبائن طرّاً.

رأسه الصلعاء كانت تعطي إيحاءً واضحاً بالنظافة وكأنه قد خرج لتوه من الحمام.. وكان من طراز هؤلاء الرجال الذين يحلقون شواربهم الرفيعة جدّاً من أعلى.. أما ملامحه فكانت ملامح ثعلب متمرس.. في المقعد الأمامي تجلس امرأة بدينة طيبة الملامح تتجاذب الحديث مع سائق التاكسي بأمومة فطرية.. ويبدو أنها تعجبت من ذهابنا لطريق واحد، وأخذت تهتف: يا سلام، سبحان الله!! (ولا أعرف ما المعجزة في ذلك؟) فسمعت السائق يقول لها متحمسًا -وأنا أتهيأ للركوب في المقعد الخلفي- إنني رزق هبط عليه من السماء وهو لا يرفض الرزق أبدا!!.. لم أفهم بالطبع حكاية هبوطي من السماء، ولكني قد صدَّقته في كونه لا يرفض الرزق أبدًا.. فسائق أصلع الرأس رفيع الشارب يرتدي جلبابًا فاضحًا في عز النهار ويقود سيارة متهالكة لهو رجل بالتأكيد لا يرفض رزقا أبدًا، هذا مفروغ منه.

وبرغم أن الطريق كان مزدحمًا بشكل لا يسمح للسائق بالإسراع فيبدو أنه شرد في أفكاره الخاصة ولهذا اصطدم بسيارة تاكسي تسير أمامه رغم الفرملة القوية التي حاول بها إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

طاخ.. طوخ.. طيخ.. كراش.

خبطة بسيطة ترتب عليها كسر غطاء الفانوس الخلفي للسيارة المتقدمة.. بالطبع هبط سائقها في وجوم؛ ليتفقد سيارته، بينما ظل الرجل الأصلع صاحب الجلباب الفاضح في سيارته يرتقب رد فعل السائق الأول.. وفي عرف المهنة فسائق سيارتنا هو المخطئ؛ لأنه كان يسير في الخلف.

قال السائق الآخر بوجه متجهم وهو يتفقد الفانوس المهشم:
- الحل إيه يا أسطى؟

قال سائق سيارتنا على الفور:
- ما تأمر به.

وهكذا أُجهِضت مشاجرة متوقعة وحمدت للسائق اعترافه بالحق وعزوفه عن الجدال وهو بالقطع قادر عليه إلى يوم الدين، وقلت لنفسي: ها هو دليل آخر على أن ارتداء الرجال الصلع لجلباب فاضح لا يمنع من كونهم متحضرين أحيانًا.. تقدّم السائق الآخر إلى جانب الطريق؛ ليركن سيارته وتبعه سائقنا الذي غاب لبرهة قصيرة ثم عاد وهو ينفخ.

استفسرت السيدة البدينة الطيبة في جزع، فأكدّ التزامه بشراء الغطاء التالف.. وقدرت على كل حال أن الأمر بسيط فالسيارة من طراز "نصر" وكل قطع غيارها زهيدة الثمن جدّاً.. عشرة جنيهات، بالكثير عشرون..

ولكن هل هذا مبلغ تافه بالنسبة للسائق؟.. خصوصًا وأن أغلب من يقودون سيارات الأجرة هم مستأجَرون لا أكثر.. والتافه بالنسبة لي ربما يعني لهم قوت اليوم كله.

لكن ما حدث بعدها كان مفاجئًا..
التحول في نية السائق تم بسرعة مذهلة، والسائق الذي كان منذ دقيقة معترفًا بالخطأ مستعدًا لتحمُّل العاقبة وجدته يقول فجأة للسيدة البدينة:
- يبقى يقابلني!!

نظرت إليه مستغربًا تحوله المفاجئ.. مصمصت السيدة البدينة شفتيها ووافقته وهي تدعو له.. لم يفتني ملاحظة سيدة مماثلة في المعسكر الآخر تمارس نفس الدور..

وأردف السائق في توكيد:
- سأزوغ منه في الزحمة.

كان واضحًا أن طبيعته الثعلبية تحركت بسرعة للإفلات من عاقبة ما جنت يداه.. هذا كله مفهوم بالنسبة لي، ولا يهز منّي شعرة فأنا لست ابن الأمس.. الشيء الذي لم أهضمه هو: لماذا أعلن لنا نيته في الزوغان بكل هذا الوضوح؟

السائق الآخر راح يتبعه في قلق وتشكُك.. شرعت أتأمله فوجدته يناهز الثلاثين، له شارب كث وملامح ضخمة جادة ونظرات شديدة الارتياب تحت حاجب كثيف.

قال من نافذته المفتوحة:
- على فين يا أسطى؟

رد سائقنا بسرعة: هذا ليس ذنبي وإنما السيارة الملاكي التي توقّفت أولا..

والحق أنني من فرط كراهيتي لقيادة السيارات واستسهالي استخدام التاكسيات صرت خبيرًا بهم وكأني أعمل طيلة عمري سائقًا للتاكسي.. همومهم واحدة وهي سرقة صاحب التاكسي، ورأيهم في سائقي السيارات الملاكي متماثل: هم رقعاء يشربون الخمر طيلة الليل، ثم يقودون سياراتهم التي اشترتها لهم أمهاتهم؛ ليرتكبوا الأخطاء الفادحة في القيادة فيعطلون ويضايقون الكادحين من سائقي الأجرة الذين لا تنصفهم الشرطة وتنهال عليهم بالمخالفات.

مجرد ذكر السيارة الملاكي هنا ودورها في هذا التصادم كان مستفزًا للسائق الآخر الذي اعتبره نوعًا من التنصل يصل إلى حد (الاستكراد) المهين فزمجر بصوت خشن:
- يعني أيه يا أسطى؟

رد سائقنا بسرعة:
- أمامك رقم سيارتي، ولو عاوز تضربني ماشي!.

هتف السائق في غيظ:
- هي عافية يا أسطى؟

فتراجع سائقنا الثعلبي بسرعة محيرة:
- طب خلاص، خليك ورايا، وما تقلقش!

ثم همس وكأنه يكلم نفسه بكلمته الخالدة:
- أبقى قابلني!!

التنصل من الوعود داء مصري قديم، والأسوأ منه بذل الوعود دون نية تنفيذها.. يحدث هذا طيلة الوقت. منذ أن وعيت على الدنيا وحكومتنا الرشيدة تعدنا بالخروج من عنق الزجاجة!! والعمر يمضي والسنوات تتعاقب وعنق الزجاجة لا ينتهي.

وعدونا بأوبرا في كل قرية.. بمظلة تأمين طبي، فكانت النتيجة أن رباط الشاش غير موجود في المستشفيات الحكومية، ويا ريت -وحياة والدك- تجيب معاك السرنجة والمضاد الحيوي والمخدة بتاعتك. وبصراحة إذا لم يكن هناك مسئول واحد التزم بوعوده السابقة فلماذا نستكثر على هذا البائس أن يتنصل من شراء غطاء الفانوس المُهشَّم؟

وتوقّف التاكسي أمام المستشفى فاضطررت للهبوط دون أن أشهد نهاية الملحمة.. وكان الوضع كما يلي: السائق صاحب الملامح الجادة والشارب الكث ينظر بارتياب لسائقنا الأصلع صاحب الجلباب الرقيع الذي بدا مستمتعًا بشكل واضح بتلك المطاردة المستميتة..

وبينما كانت السيارة المتهالكة تبتعد عن ناظري ومن ورائها السيارة الأخرى مهشمة الفوانيس تطاردها في إصرار، ضحكت من أعماقي وقلت له عالِماً أنه لن يسمعني: ابقى قابلني.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://7yatna.own0.com
 
ابقى قابلني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
7yatna :: القسم الترفيهي :: فرفش هيس-
انتقل الى: